الأربعاء، 25 يناير 2012

الليلة التي ذبح فيها النبي نفسه





بقلم/ وجيه عطا




أعتقد أن الله أراد أن يذبح إبراهيم نفسه وليس ابنه ... بأمانة عشت القصة ثلاثة أيام كاملة قرأتها بالعبري والإنجليزي والعربي ... وقرأت تفسيرات كثيرة عنها ... وتخيلت أن الله يطلب مني انا ما طلبه من إبراهيم، تقمصت شخصيته وخرجت الدموع من عينيَّ وأنا أتخيل الليلة التي قضاها إبراهيم يصارع نفسه حتي الصباح تخيلت الصر اع الذي دار في نفسه تلك الليلة المريرة.

إبراهيم وضع ابنه الذي خرج به من الحياة في يد الرب وتحت رهن إشارته، إبنه وحيده الذي هو كل كنز صلوات وانتظارات وبكاء الماضي "ماذا تعطيني وأنا ماضٍ عقيم ؟!" كان الولد هو الحلم رغم الممتلكات الكثيرة والعبيد والإماء والغنم والبقر والنفوذ كل هذا لا شيء ولا معنى له "وأنا ماضٍ عقيم" ! كل حياتي "كوم" وانتظاري للولد "كوم" آخر !
وأخيراً أعطيتني حلم حياتي وفرّحتني وأشرقت حياتي كلها به عوَّضتني عن جفافي أنا وامرأتي كنا كشجرة عقيمة جافة بلا معنى ولا فائدة وكم كنا نبكي ! لكن هذا الولد أسميناه "ضحك" !
لماذا تريد أن تأخذ من "الضحك" ؟!
هل تريدني أن أذبح وأقطِّع وأحرق بيدي الضحكة الغالية لقلبي ؟!
هل تريدني أن أذبح وأقطِّع وأمزِّق بالسكين الذي هو أغلى من أحشائي ؟ وأعظم من نور عيني ؟!
هل تريدني أن أعود لامرأتي وأقول لها ذبحت وحرقت ابنك الذي هو كل أمل لكي وليَّ في الحياة ؟! ...
وماذا سيكون رد الأم التي ذبحت أنا وحيدها وأملها وإشراقة شمس حياتها ؟!
كيف سأنظر في عينيها بعد أن مزقت وطعنت كل أمل لها في الحياة ؟!
هذا إن تَحَمَّلَتْ صدمة ما أقول وعاشت بعدها !
وهذا إن استطعت أنا أصلا أن أفتح فمي أمامها بعد أن مزقت الذي هو لها أعظم وأهم من أحشاؤها ومن كبدها !
يا للهول كيف أخبرك يا سارة الحبيبة بأني فعلت هذا بكِ !
لا أقدر أن أخبرك بأني فقأت نور عينيكِ وأنت نائمة ولن ترى حياتك النور فيما بعد !
يا إلهي لن أقول هذا أبداً لحبيبتي !
ستلومني وتقول لي أنت ضيَّعت من يدي "ابن عمري" الذي أخذنا وعوداً من الرب أن يكون لنا منه نسل !
يا إلهي ! ... كيف نسيت هذا في غمرة مشاعري وغرقي في دموعي !
نعم أنت قد وعدتني أنه سيكون لي أحفاد من إسحاق !
فكيف سأقدمه ذبيحة محرقة وبعدها سيكون لي أحفاد منه ؟!
نعم هذا معناه أنك ستحييه من الموت !
نعم أيها الرب القدير سأقدمه بين يديك ذبيحة محرقة
وستقدمه أنت بين يديَّ وبين يدي سارة مرة أخرى لأن عطاياك وهباتك بلا ندامة
ستقيمه من الموت وسأعود به سالماً بين يدي أمه !
لهذا سأتمم ما طلبته مني وسأقدمه لك ذبيحة محرقة في المكان الذي تريده وبالطريقة التي تريدها أنت تماماً !
سأضعه بين يديك ولن أخسر إطلاقاً ما هو بين يديك !
وأنا متيقن تماماً أني سأعود به حياً، بل يدي هذه التي تمسك السكين وتذبح ابني من أجلك هي نفسها التي ستمسك بأحفادي منه لأنك أنت قلت هذا وسيحدث كل ما قلته لي

ها هو الصبح قد أتى ... وأول شعاعة للشمس قد تسللت يجب أن أوقظ إسحاق وأخذه قبل أن تقوم سارة ... وسأترك لها رسالة مع غلمان البيت، بأني ذهبت كعادتي أنا وإسحق في رحلة طويلة للصيد وتقديم ذبيحة للرب وسنعود بعد أيام
نعم يا إلهي سأعود لها بعد أيام وإسحاق ابني معي لأنك أنت وعدتني.

"وَحَدَثَ ... أَنَّ اللهَ امْتَحَنَ إِبْرَاهِيمَ ... فَقَالَ: «خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ ... وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ». فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ، وَقَامَ وَذَهَبَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ لَهُ اللهُ" (تكوين 22: 1- 3)


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق